قال الدكتور صلاح بن فهد الشلهوب مدير مركز التميز للدراسات المصرفية والتمويل الإسلامي بمعهد البحوث بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن-: إن القرض الحسن هو عبارة عن مصطلح معاصر، والمقصود به شرعاً القرض دون استخدام لفظ الحسن بالمفهوم الفقهي، مشيرًا إلى أن القرض عبارة عن أحد العقود التي تناولها الفقه الإسلامي، وهو إعطاء المال لشخص على أن يرد مثله دون زيادة، وتم إدخال كلمة الحسن؛ للتفريق بينه وبين القرض الذي يتم بفائدة، والذي يعد أبرز استثمارات البنوك التقليدية، والذي يصنف شرعًا بأنه ربا محرم.
وأضاف : الحقيقة أن إضافة كلمات لبعض المصطلحات بغرض التفريق بين صور المعاملات المختلفة، أصبح شائعًا في الوقت الحاضر، وهذا موجود في البنوك الإسلامية؛ للتفريق بينها وبين البنوك التي تتعامل بالقروض الربوية، ومصطلح حلال لبعض المأكولات، مثل اللحوم، للتفريق بينها وبين الأغذية التي يدخل في تكوينها شيء غير مباح، وهكذا.
وقال الشلهوب، بحسب موقع "الفقه الإسلامي": لقد شاع استخدام هذه المصطلحات، وكما يقال "لا مشاحة في الاصطلاح" والأهم هو المضمون، أما بالنسبة إلى المقصود بالسنّة المهجورة، هو مصطلح يتحدث فيه العلماء عن بعض الأعمال التي تُعد مستحبة شرعًا لحث النبي- صلى الله عليه وسلم عليها-، ونجد أنه في الأزمنة المختلفة قد يحصل هجر لبعض السنن؛ نظرًا لوجود جهل بها، أو لوجود متغيرات في حياة الناس قد تؤثر في سلوكياتهم، أو لوجود ضعف أحيانًا لدى بعض الناس في الإقبال على الأعمال المستحبة.
وأضاف لكن ليس من الواضح لدى كثير من الناس، خصوصًا من لديهم الرغبة في الخير والإحســـان للآخرين المعرفة بما في الإقراض من ثواب، بل إن الفقهاء يصنفونه من عقود التبرعات، وهو شكل من أشكال تفريج الكربة على المسلم، بل إن بعض السلف كان يفضل الإقراض على الصدقة؛ وذلك لأنه يقرض المال مرتين وثلاثًا، ولكن في الصدقة يدفع المال مرة واحدة.
ولعل السبب في عدم الإقبال على الإقراض دوافع متعددة في المجتمع لعل منها:
أولا: شيوع عدم السداد للقروض، حتى أصبح المقرض أحيانًا يجد نوعًا من المشقة والشعور بنوع من الإهانة عند المطالبة بماله، نظرًا لتساهل عدد من الناس في السداد.
ثانيا: أنه توافرت وسائل متعددة للإقراض أو التمويل من البنوك سواء الإسلامية أو التقليدية، خصوصا بعد أن أصبحت البدائل المتوافقة مع الشريعة متوافرة بشكل كبير، وبتكلفة منخفضة مقارنة بالسابق، وأصبحت متاحة بشكل أكبر للأفراد، ولذلك أصبح الناس يقبلون عليها بشكل أكبر بدلا من الاقتراض من الأشخاص.
ثالثا: وجود الأدوات الاستثمارية المتعددة والمتنوعة في المخاطر، ووجود المؤسسات المالية التي تتيح للأفراد بشكل سهّل الدخول في مثل هذه الاستثمارات، ما جعل السيولة المتوافرة للأفراد تذهب بشكل أكبر لهذه القنوات الاستثمارية.
رابعا: نظرًا لحصول التضخم في الأوراق النقدية، أصبح كثير من الناس يشعر بأن السداد حتى إن كان بالقيمة نفسها إلا أن القيمة الفعلية للنقد قد نقصت مقارنة بيوم الإقراض.
كل هذه الأسباب أسهمت في انخفاض إقبال الناس على الإقراض والحصول على الأجر من خلاله، ولعل من المهم الاهتمام بمثل هذا النوع من العبادة لعدة أمور، منها:
أولا: أن هذه سنّة وعمل يتقرب به إلى الله، وهو وإن كان لا يصل إلى مستوى الصدقة إلا إنه عبادة إذا نظرنا إلى فائدتها على المدى الطويل، فإنه ربما يحقق منها الإنسان ثوابًا قد يكون أكبر من الصدقة، والإقراض يزيد من ترابط الناس، والشعور والإحساس بحاجاتهم ويقرب بين الناس.
ثانيا: أن الحصول على التمويل مهما كان منخفضا فهو مكلف، خصوصا إذا ما كان السداد على مدى فترة طويلة، حتى إن قيمة السداد قد تصل إلى الضعف، وهذا مكلف إذا ما قورن بالقـــرض الحســـن، ولذلك فإن فيه تفـــريج كربة على المسلم، وقد يسهم ذلك في تخفيف العبء على الشخص، بحيث يتمكن من توفير أكبر لحاجاته الضرورية والحاجية.
ثالثا: أن الإقراض يختلف عن الصدقة؛ وذلك لأنه يستهدف في الغالب الفئة المتوسطة من المجتمع، إذا كنا نتكلم عن الإقراض للأفراد، وهذه الفئة من المهم الاهتمام بها والعمل على زيادة نسبتها مقارنة بالطبقة الفقيرة؛ وذلك لأن هذه الفئة هي الأكثر تأثيرا في الاقتصاد، حيث إنها تسهم في الحركة الاقتصادية للمجتمع، ولذلك تجد أن الاقتصادات العالمية تهتم بتوسيع نسبة هذه الفئة، وتضع الأنظمة والتشريعات التي تسهم في زيادتها عطفا على نسبة الفقراء.
ما فيما يتعلق بالسداد فإن الشريعة الإسلامية أوضحت بشكل جلي، أهمية التوثيق للقروض والديون بشكل عام، حيث يقول تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } الآية، ومن المهم الاهتمام بإيجاد الضمانات القضائية التي تحد من تسويف المقترض في السداد. كما أنه لابد من توعية المجتمع بأهمية هذه العبادة، وهي الإقراض دون فائدة وبيان ثوابها، وأن تكون هناك مؤسسات خيرية لتقديم مثل هذه الفرص للأفراد، التي من الممكن أن تعتمد على التبـــــرعات بغــــرض الإقــــراض، بل إنه توجد الآن آلية جديدة لدى بعض المؤسســات الخيرية، وهي إصــــدار صكوك القرض الحســن، بحيث تأخذ هذه المؤسســات المال على أساس أن ترده إلى المقرض خلال مدة متفق عليها.
ومثل هذه القروض من الممكن أن تقدم لمن لديه رغبة في الحصول على سكن، أو بغرض إنشاء مشاريع صغيرة، بحيث يتم إقراض المستحق للقرض بغرض إنشاء مشروع يتيح للمقترض فرصة للاستثمار، وما أن يتمكن من تحقيق ربح أو عوائد من هذا المشروع، فإنه يعيد القرض إلى المؤسسة الخيرية، ومن هنا من الممكن أن يستفيد من هذا المبلغ نفسه أكثر من شخص ليقيم مشروعًا، وذلك يُسهم في النهاية في توفير فرص للاكتساب، ويعالج بشكل ولو جزئي مشكلة الفقر، ويزيد مستوى الإنتاجية في المجتمع، والحركة الاقتصادية بشكل عام.