أكد الدكتور عبد العزيز الفوزان أستاذ الفقه المشارك، ورئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية أن عمليات شفط الدهون والبطن وغيرها من عمليات التجميل جائزة إذا كانت بغرض التداوي فقط .
وقال الفوازن في دراسته "بعنوان الضوابط الشرعية لعمليات تحسين القوام والحقن التجميلي":
إن الحكم الفقهي لعملية شفط الدهون حالتان، حسب الغرض من إجرائها:
الحالة الأولى: إذا كانت علاجاً لأمراض نشأت عن تراكم الدهون في منطقة أو أكثر في الجسم كالسمنة المَرَضية وآلام المفاصل والظهر، بحيث تسهم هذه العملية في إزالة الدهون الزائدة، خاصة بالنسبة لمن يشكون البدانة، ولا يمكنهم تخفيف وزنهم بالطرق غير الجراحية كالحمية الغذائية والتمارين الرياضية، ففي هذه الحالة أجاز بعض الفقهاء التداوي بالحقنة ونحوها؛ من أجل الهزال وضعف الجسم لما يترتَّب عليه من الإصابة ببعض الأمراض، وإذا جاز التداوي بالتسمين جاز بجراحة شفط الدهون، فكلاهما من التداوي الذي ثبت أصل مشروعيته.
الحالة الثانية: إجراء عملية شفط الدهون للمبالغة في تعديل القوام وتحسين المظهر العام للجسم؛ لتكون جميع الأعضاء متناسقةً رغم أن الخِلْقة معهودة معتادة؛ ذلك أن بروز بعض الأعضاء كالأرداف وأسفل البطن قد لا تكون مرغوبة، وبخاصة عند المرأة، فتُجرى هذه العملية ليكون القوام معتدلاً ممشوقًا، مشيرا إلى حرمة إجراء الجراحة في هذه الحالة، وتطرق البحث إلى الحكم الفقهي لعملية شد البطن، مشيرًا إلى أن لها حالتان حسب الغرض من إجرائها:
الحالة الأولى: أن تُجرى العملية علاجاً لأمراض واقعة أو متوقَّعة كالفتاق، وتهيّج الجلد وإصابته ببعض الأمراض، وكذا إذا حدث ترهُّل غير معهود في البطن بسبب مرض ونحوه، بحيث يظهر الشخص (الرجل أو المرأة) في مظهر مشوَّه مشيرًا إلى جواز إجراء جراحة شد البطن في هذه الحالة.
الحالة الثانية: أن يكون ترهُّل البطن ناشئًا عن زيادة الوزن أو الحمل المتكرّر، ويبدو في مظهر معتاد، ولا يترتَّب عليه ضرر عضوي ولا نفسي، لكن يُراد إجراء هذه الجراحة لزيادة التحسين، وتجميل المظهر العام مشيرًا إلى حرمة إجراء الجراحة في هذه الحالة.
وتطرق البحث إلى حكم تكبير بعض الأعضاء (الساق والردف) مشيرًا إلى أن من أشهر عمليات تكبير الأعضاء تكبير السيقان والأرداف، ويختلف حكم إجرائها بحسب الغرض منها، وهذا له حالتان:
الحالة الأولى: إجراء العملية لأغراض ترميمية:
ويُراد بذلك الحالات التي تُجرى فيها عمليات التكبير عند الإصابة ببعض الأمراض كالشلل، أو عند التعرض للحوادث التي تؤثِّر على مظهر العضو وتجعله نحيفاً بشكل مشوّه، أو عند تعرَّض أحد العضوين المتناظرين لمرض أو حادث، يجعل مظهرهما غير متناسق، كما يحدث في الساقين مشيرًا إلى أن عملية التكبير في هذه الحالة جائزة شرعاً بشرطين:
1- ألا يوجد بدائل أخرى للجراحة، فإن أمكن إزالة التشوّه بغير الجراحة لم يجز إجراؤها؛ إذ الأصل حرمة جسم المعصوم وعدم جواز الاعتداء عليه بشق أو جرح ما لم يكن لذلك مسوِّغ شرعي.
2- ألا يترتَّب على إجراء العملية ضرر أو تشوّه يفوق الضرر الأصلي؛ لأن الضرر الأشد يُزال بالضرر الأخف، فإذا لم يغلب على ظن الطبيب نجاح الجراحة وزوال التشوّه دون ضرر أشد لم يجز إجراؤها.
والحالة الثانية: إجراء العملية لأغراض تحسينية:
ويُراد بذلك إجراء العملية لمجرّد التحسين والتجميل، وتكبير العضو الذي قد يبدو نحيفاً، ولكنه معتاد ومقبول. مشيرًا إلى حرمة إجراء عملية التكبير في هذه الحالة .
وتطرق البحث إلى حكم عمليات الحقن التجميلي، وقال: إن له ثلاث مسائل :
لمسألة الأولى: حكم حقن الدهون.
المسألة الثانية: حكم حقن الكولاجين وما يشبهه.
المسألة الثالثة: حكم حقن البوتوكس.
المسألة الأولى: حكم حقن الدهون، ويُراد به سحب الدهون من جسم الإنسان وحقنها في الجسم نفسه لأغراض تجميلية، وهو من أمثلة الحقن الذاتي، وينبني حكم هذا النوع على عدة أمور منها:
- حكم النقل الذاتي لأجزاء الجسم المتجدّدة؛ ذلك أن المادة المحقونة يمكن أن تتجدّد في العضو الذي سُحِبت منه موضحًا، أن حكم النقل الذاتي لما يتجدّد من الجسم كالدهن والجلد ونحوهما فهو جائز - عند الحاجة إلى ذلك والأمن من ضرر أشد - عند عامة العلماء المعاصرين ،وقد نصَّت قرارات المجامع الفقهية على ذلك، ومنها ما جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي: ((أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقَّع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتِّب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود، أو لإعادة شكله، أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب، أو إزالة دمامةٍ تسبب للشخص أذىً نفسياً أو عضوياً)، وفي حقن الدهن إعادة لشكل العضو الذي أصابته التجاعيد وإصلاح لعيوب الجلد وإزالة للدمامة التي تلحق الوجه وتسبِّب له الأذى النفسي.
المسألة الثانية :حكم حقن الكولاجين وما يشبهه.
لكولاجين مادة بروتينية تؤخذ من الجسم، وتُحقن في الوجه لملء التجاعيد وعلاج التشوّهات، وأشهر أنواعه الكولاجين البقري، الذي يُستخرج من الأبقار، ثم تُجرى له عدّة إجراءات لتصنيعه في شكل حُقن؛ لذا فإن حكم حقنه ينبني على حكم نقل أجزاء حيوانية إلى جسم الإنسان، بالإضافة إلى ما يترتَّب على الحقن من ضرر، مشيرًا إلى أن رأي الفقهاء المعاصرون جواز التداوي بأخذ أي جزء من أجزاء الحيوان الطاهر، وهو الحيوان مأكول اللحم المُذكَّى، فيجوز أخذ عضو أو استخلاص مادة من البقر المذكّى كالكولاجين وحقنه في جسم الإنسان، ومما يدل على التداوي بأجزاء الحيوان الطاهر.
المسألة الثالثة : حكم حقن البوتوكس.
مشيرا إلى أنه مادة شديدة السمّية تُسْتخرج من بعض أنواع البكتيريا، وحكم حقنه ينبني على أمرين:
1- حكم التداوي بالسموم.
2- الغرض من الحقن.
أما التداوي بالسموم فقد أجازه كثير من الفقهاء إذا كان السم قليلاً لا يُخشى منه الهلاك، وكان الغالب على الدواء السلامة ورُجِي نفعه؛ لأن تناول السم وإن كان فيه مفسدة الإقدام على ما فيه ضرر، إلا أن في تناوله دفعاً لمفسدة أعظم وضرر أشد، وأما ما فيه من ضرر يُخشى منه فغالب الأدوية يُخشى من أثره الجانبي، وإنما العبرة في زيادة المنفعة على المضرة.