أعرب علماء عن اقتناعهم بإمكانية بناء مركبات فضائية تطوف بين المواكب والأقمار عبر "انفاق من صنع الجاذبية" متيحة امكانية القيام برحلات أقل كلفة حول منظومتنا الشمسية. ويعكف باحثون حاليا على تحديد معالم شبكة من الممرات الحلقية المتداخلة تنشأ بفعل قوى الجاذبية بين الأجسام السماوية ، ويعتقد العلماء انها يمكن ان تتيح للمركبة الفضائية ان تتحرك عمليا بلا مجهود بين المدارات.
وتنقل صحيفة "التايمز" عن بروفيسور علم الهندسة والميكانيك في جامعة فرجينيا التكنولوجية الاميركية شاين روس قوله ان هناك ممرات ذات طاقة متدنية تلتف بين الكواكب والأقمار وانها تخفض بقدر كبير كمية الوقود المطلوبة لاستكشاف المنظومة الشمسية. واعتبر روس هذه الممرات بمثابة انفاق طبيعية تخترق المنظومة الشمسية. واعلن روس في مهرجان العلم البريطاني الذي اقيم في مدينة غيلفورد جنوبي انجلترا ان هذه الأنفاق التي تغير مواقعها باستمرار مع حركة الكواكب والأقمار ستكون طريقة مناسبة بصفة خاصة لاستكشاف أقمار المشتري أو زحل .
تتكون الأنفاق بين "نقاط التوازن" في مجالات الجاذبية لجسمين كبيرين. وتوجد هذه النقاط المعروفة باسم "نقاط لاغرانغ" ، صاحب المعادلات الرياضية التي تحمل اسمه ، في الفضاء الذي تكون قوى الجاذبية لكل من الجسمين السماويين متساوية تماما فيه. وفي مثل هذه النقطة ستبقى المركبة الفضائية في موقع واحد بالنسبة لكل جسم من الأجسام السماوية الكبيرة.
وقد عُثر على العديد من "نقاط لاغرانغ" في المنظومة الشمسية حيث تتفاعل قوى الجاذبية لأجسام سماوية مختلفة. وتوجد بينها مساحات أشبه بالأنفاق التي تتيح للمركبة الفضائية امكانية "السقوط" بين نقطة وأخرى. ويقول العالم روس ان "الأشياء تنجر بطرق غريبة عندما يكون هناك أكثر من جسم ذي جاذبية بالاضافة الى الأرض" وتكون هناك ممرات للحركة دونما حاجة الى قوة دافعة.
وأضاف روس ان هذه الممرات أو الأنفاق شبيهة بالتيارات التي نجدها في المحيطات سوى انها تيارات جاذبية. ومثلما يمكن للسفن ان تبحر حول العالم بركوب التيارات المحيطية فان المركبات الفضائية ايضا تستطيع ان تمخر عباب المنظومة الشمسية على صهوة الجاذبية. وقال ان المركبات الفضائية يمكن ان تطوف مجانا من حيث الأساس باستخدام كمية قليلة من الوقود لتعديل الاتجاه فقط.
ولكن علماء يلاحظون ان ركوب قوى الجاذبية ، مثله مثل الاعتماد على التيارات المحيطية ، سيكون ابطأ بكثير من استخدام منظومة دفع تقليدية.
يقر البروفيسور روس بأن الطواف بين الكواكب بلا قوة محركة فكرة ليست عملية ، وان الوقود التقليدي سيبقى مطلوبا. ولكنه اكد ان استثمار قوى الجاذبية الفاعلة في الفضاء سيكون طريقة مثالية للسفر حول المنظومات القمرية ، واعرب عن الأمل باستخدام هذه الطريقة في رحلات قادمة لاستكشاف أقمار المشتري. ويمكن ان تستمر الرحلة الاستكشافية زمنا يكاد يكون بلا حدود نظرا لقلة الوقود الذي سيكون مطلوبا فيها. وتابع قائلا ان المرء عندما يصل الى كوكب آخر ، لا سيما كوكب له توابعه مثل المشتري فانه يستطيع استخدام هذه الطريقة للتنقل بين أقمار المشتري أو زحل. والثمن الذي يُدفع مقابل ذلك هو ان هذه الرحلات تستغرق وقتا أطول. فالانتقال بين قمرين من أقمار المشتري يمكن ان يستغرق عدة أشهر ، بحسب البروفيسور روس.
تلفت صحيفة "التايمز" الى ان وكالة الفضاء الاميركية استخدمت هذه التقنية في رحلة المركبة "جينيسيس" Genesis لاستكشاف الرياح الشمسية عندما انطلقت مركبة فضائية صغيرة عبر انفاق الجاذبية في طريقها صوب الشمس. وأتاح هذا لها ان تحمل كمية من الوقود أقل بكثير مما يحمله المسبار التقليدي. إذ كان الوقود يشكل 4 في المئة فقط من وزنها بالمقارنة مع 40 في المئة من وزن المركبة الاعتيادية ، كما قال البروفيسور روس مضيفا ان الاستغناء عن الحاجة الى مثل هذه الكمية الكبيرة من الوقود يعني توفر مجال أوسع للمعدات.
ان المبادئ التي تنهض علهيا الأنفاق المبنية بقوى الجاذبية معروفة منذ زمن نيوتن ولكن الحسابات المطلوبة لرسم خريطتها كانت حسابات شديدة التعقيد حتى وصول التقنيات الحسابية الالكترونية الحديثة.